المراقب لحال الأمة الإسلامية يعلم بكل وضوح مدى حاجتها لتعاون وتكامل جهود أبنائها، كما يتضح له مدى أهمية الدعوات القرآنية بالوحدة والاعتصام والتكاتف والتآزر في مقابلة واقع شديد يحيط بها.
وقد خاطبنا الشرع الكريم خطابا بينا عاما، لم يستثن فيه قطرا من الأقطار، ولم يقتصر فيه على بلد من البلدان، كما لم يختص به أناسا دون آخرين، فالأمة جسد واحد، يتألم لآلام بعضه ويتداعى لمرضه، والمؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا، فيتقوى به.
والحلول التي يتخذها الأفراد منطوين على أنفسهم دون غيرهم، وتتخذها الجماعات متحزبة لنفسها دون غيرها، هي حلول في غالب الأحيان قاصرة وناقصة، ستظل دوما بحاجة إلى الاستقواء بالآخر المسلم سواء أفرادا أو جماعات أو مجتمعات، كما أن النظرة الفردية أو الحزبية في الفكرة الإسلامية ما تلبث أن تثبت قصورها وفشلها يوما بعد يوم.
والباحث في التاريخ الإسلامي يستطيع أن يجد بكل وضوح أن حالات القوة والمنعة والانتصار التي عاشتها الأمة إنما كان سببها الأول التمسك بمعاني الإسلام ودعوته إلى وحدة الجهود وتكامل الصفوف، كما يستطيع أن يرى بكل وضوح أن حالات الضعف والهوان والهزيمة إنما كان سببها الأول التخلي عن توجيهات الإسلام والصراعات والفرقة والتحزب.
وعلى أية حال فإننا قد علمنا عن أمتنا أنها ستظل يحدوها الأمل دوما في قوة بعد ضعف وصحة بعد مرض وانتصار بعد هزيمة بما تحمله من مؤهلات تمكنها من ذلك في مقدمتها ذلك النهج الإسلامي العظيم.
والناظر في واقعنا يعلم أن الحركة الإسلامية قد تعرضت لكثير من الضغوط والسقطات سواء من داخلها أو من خارجها، وسلمت نفسها في كثير من الأحيان للفرقة والحزبية والإقصاء، وقصرت رؤاها في أحيان أخرى عن مصلحتها العامة الشاملة إلى مصلحة ذاتية متوهمة، جعلتها تسلم زمامها في بعض الأحيان إلى قليلي العلم تارة وقليلي الخبرة تارة وضعيفي النفس تارة أخرى، كما جعلتها تأخذ قراراتها بمنأى عن مراعاة أحوال بعضها بعضا، فرأينا الضعف ينبت من الداخل، وينمو حتى يمرض الجسد الأكبر الذي لا يستطيع أن يصمد بدوره أمام الضغوط الخارجية الشديدة والعاتية.
والمراقب لطبيعة هذه الأمة يعلم أن علماءها الأبرار هم قلبها النابض الذي لا تزال به الحياة، وأنهم عمودها الفقري الذي به تستقيم منتصبة من جديد، فقد جمعوا العلم الرباني المبارك الذي لا يضل من انتمى إليه ولا ينحرف من استقام عليه، وهم- بمجموعهم- أبعد الناس عن حظوظ النفس وقلة العلم وضعف الخبرة، فهم المرشحون لتولي زمامها في ذلك الوقت العصيب من أوقات حياتها، ونحاول أن نستبين ذلك بوضوح أكثر..
مهمة الحركة:
قامت الحركة الإسلامية ابتداء لتجديد الإسلام والعودة به إلى قيادة الحياة من جديد وإعادة روحه الإيمانية السمحة.
وتجديد الإسلام تعبير ورد في حديث النبي صلى الله عليه وسلم عن أبي هريرة: «إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها» أخرجه أبو داود، وقال السخاوي: سنده صحيح، ورجاله كلهم ثقات، وقال الألباني: والسند صحيح، ورجاله ثقات، رجال مسلم.
وكلمة «مَن» هنا- كما تشير إلى العالم الفرد- فإنها تشير إلى الجمع من العلماء على الأظهر من المعنى كما مال إلى ذلك الحافظ ابن حجر، وابن الأثير، والذهبي، والمناوي، والعظيم آبادي وغيرهم.
ولا شك أن هذا المعنى الصحيح يقودنا إلى معنى صحيح آخر وهو أن هذا الدين يمكن أن يقوم بتجديده عن طريق بعض العلماء ممن يجتمعون على معانيه وأوامره وتوجيهاته الأصيلة مستمدين منهجهم من سنة النبي صلى الله عليه وسلم وتوجيهات القرآن الكريم وفهم وتطبيق الصحابة والتابعين ومنهجية العلماء السابقين المشهود لهم بالفضيلة والقبول، وقد يصح أن يتضامن هؤلاء العلماء فكريا ومنهجيا- مهما تباعدوا- على منهج التجديد والإصلاح، فيتكون بينهم ما يشبه المدرسة العلمية الفكرية التجديدية التي تكون مرجعية علمية ومنهجية عالمية للعاملين للإسلام في شتى بقاع الأرض وهو ما تحتاجه الأمة الإسلامية اليوم ابتداء.
والصفة الأصلية المطلوبة في هؤلاء القائمين بالتجديد هو العلم، فالقائمون بالتجديد هم علماء الأمة الذين يعرفون أصول دينهم، ومدى حاجته إلى التجديد ومواطن التجديد المطلوبة، وهو المعنى الذي أشار إليه غير واحد من العلماء، يقول المناوي: (إن على المجدد أن يكون: قائمًا بالحجة، ناصرًا للسنة، له ملكة رد المتشبهات إلى المحكمات، وقوة استنباط الحقائق والنظريات، من نصوص الفرقان وإرشاداته ودلالاته واقتضاءاته من قلب حاضر وفؤاد يقظان).
ولاشك أن هؤلاء العلماء الشرعيين سيحتاجون بالضرورة إلى العلماء والمتخصصين في شتى المجالات الواقعية والحياتية المراد تحقيق الإنجاز فيها، لتتم البصيرة بالواقع واستشراف المستقبل، ويتحقق التوازن والشمول في تناول القضايا، وتسيطر الحكمة والعلم على الرؤى والقرارات.
ماذا تفيدنا هذه الرؤية؟
هذه الرؤية تفيدنا في عدة مناح مؤثرة من أهمها إيقاظ شعور إسلامي عالمي عام نحو التوحد والتعاون والتكافل، وإمكانية إشعار الجميع بعدم الحاجة إلى التحزبات والتجمعات المنغلقة والآراء الفردية والقيادات الشخصية، كما تفيدنا في تقويم الخطى، وتصحيح الفتوى، وتحديد الأولويات، كما تفيدنا في الاهتمام بالقضايا الكبرى وتوصيل الصوت لأبعد مدى، والتأثير في المؤسسات العالمية المختلفة وغيرها من الفوائد المؤثرة التي تحتاجها الأمة.
مجالات العمل:
ومجالات التجديد المرشحة للاهتمام بها من قبل هؤلاء العلماء تتركز في ثلاث مجالات:
أولا: عرض المنهج الإسلامي المتكامل بجوانبه جميعا.
ثانيا: الدعوة بين أبناء المسلمين بهدف إحياء روح الإسلام بين جماهيره الغفيرة وبناء قاعدة جماهيرية إيجابية عريضة، تحب الإسلام، وتستقيم عليه.
ثالثا: الدعوة العالمية للإسلام وتقديم معالم الحضارة الإسلامية وإيجابيات الرسالة للعالم أجمع. (يتبع).
الكاتب: خالد رُوشه.
المصدر: موقع المسلم.